لماذا الوضعي والإسلامي؟ ولماذا الرسم مع البيان اللفظي؟

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وخاتم النبيين، وبعد؛ فقد نمت إلى سمعي مقالة عرَّضت بمنهجية بحث مفردات (الفكر الاقتصادي الوضعي) مع الإسلامي، وببحث (أساليب التمول والاستثمار الوضعية) مع أساليب التمول والاستثمار الإسلامية، وببحث (آليات المصرفية الربوية) بين يدي المصرفية الإسلامية، وبدراسة (النظرية الاقتصادية الوضعية) مع النظرية الاقتصادية الإسلامية.

وكل ما تقدم ورد فعلاً، وعن قصد في المقررات الدراسية (الكتب المنهجية) التي وفقني الله سبحانه وتعالى لإعدادها لطلبة تخصص الاقتصاد الإسلامي، وهي أيضاً موافقة لخطط المساقات المقرة في قسم الاقتصاد والمصارف الإسلامية. ولست في وارد الدفاع عن ذلك المنهج الذي كنت ولم أزل متمسك به، وأقول حاشا أن أجعل أفكار البشر قسيمة لشرع الله أو مقدَّمة عليه إنما قصدت من ذلك الآتي:

  • فهم المعروض الوضعي على حقيقته كشرط لصحة الحكم عليه؛ إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
  • جني ثمار الدراسة المقارنة بين المناهج والنظم المالية والاقتصادية المختلفة؛ وكما قيل: (الضِّدُّ يُظْهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ … وبِضِدِّها تتبيّنُ الأشياءُ).
  • الاعتبار بتجارب الغير؛ والاستفادة من ثمار التفكير البشري المجرد المتعلقة بالمشتركات البشرية وبالجوانب ذات الأبعاد الفنية؛ فالحكمة ضالة المؤمن وأنى وجدها فهو أحق بها وأولى، وليس من حكمة المؤمن أن ينفق وقته في إعادة اكتشاف المكتشف.
  • الوعي بالمحذور مخافة الوقوع فيه؛ ففي الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني".
  • التحصن من العود إلى الجاهلية؛ فقد روي أن سيدنا عمر رضي الله عنه قال: "تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام مَنْ لم يعرف الجاهلية". قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح الأثر المتقدم: "ومَنْ نشأ في المعروف (و) لم يعرف غيره؛ فقد لا يكون عنده من العلم بالمنكر وضرره ما عند مَنْ عَلِمَهُ" (مجموع الفتاوى، 10: 300).

ولماذا الرسم البياني زيادة على البيان اللفظي؟!

وتساءل آخرون لِمَ اللجوء إلى استخدام الأشكال البيانية في دراسة النظرية الاقتصادية زيادة على البيان اللفظي واللغة المنطوقة؟!.

وهنا أحيل على فعل النبي صلى الله عليه وسلم:

  • "عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ قال كُنا عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم، فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّيْنِ عن يَمِينِهِ وَخَطَّ خَطَّيْنِ عن يَسَارِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ في الْخَطِّ الْأَوْسَطِ فقال هذا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ تَلَا هذه الْآيَةَ: وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ولا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عن سَبِيلِهِ" (سنن ابن ماجه، 1: 6).
  • وعن عبد اللَّهِ بن مَسْعُودٍ قال: "خَطَّ لنا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَّاً ثُمَّ قال: هذا سَبِيلُ اللَّهِ، ثُمَّ خَطَّ خُطُوطاً عن يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ قال: هذه سُبُلٌ (قال يَزِيدُ مُتَفَرِّقَةٌ) على كل سَبِيلٍ منها شَيْطَانٌ يدعو إليه ثُمَّ قَرَأَ: وَأَنَّ هذا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عن سَبِيلِهِ" (مسند أحمد، 1: 435).
  • "حدثنا صَدَقَةُ بن الْفَضْلِ أخبرنا يحيى بن سَعِيدٍ عن سُفْيَانَ قال حدثني أبي عن مُنْذِرٍ عن رَبِيعِ بن خُثَيْمٍ عن عبد اللَّهِ رضي الله عنه قال: خَطَّ النبي صلى الله عليه وسلم خَطًّا مُرَبَّعاً وَخَطَّ خَطًّاً في الْوَسَطِ خَارِجاً منه وَخَطَّ خُطَطاً صِغَاراً إلى هذا الذي في الْوَسَطِ من جَانِبِهِ الذي في الْوَسَطِ وقال: هذا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ مُحِيطٌ بِهِ أو قد أَحَاطَ بِهِ، وَهَذَا الذي هو خَارِجٌ أَمَلُهُ، وَهَذِهِ الْخُطَطُ الصِّغَارُ الْأَعْرَاضُ فَإِنْ أَخْطَأَهُ هذا نَهَشَهُ هذا وأن أَخْطَأَهُ هذا نَهَشَهُ هذا" (صحيح البخاري، 5: 2359).

ويظهر مما تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخدم الشكل البياني تبلغاً لإيضاح أفكاره لمن حوله سواء في تفسيره للآية أم في تصويره لحال الإنسان: أجله وأمله.

وإذاً؛ فمن كمال التأسي في التعلم والتعليم أن لا ندخر وسعاً في الإيضاح والتبيين: بالرسم البياني، أو بالجدول الحسابي، أو بالمعادلة الرياضية، وليكن رائد المعلم والمتعلم في ذلك تمثُل واحدة من آلاء الله تعالى: "الرَّحْمَنُ . عَلَّمَ الْقُرْآنَ . خَلَقَ الإِنسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ" (الرحمن: 1- 4). وختاماً؛ جزا الله كل ذي فضل وكل ذي حق عني خيراً.

وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

...

عبدالجبار السبهاني
للترجمة أو إعادة النشر
تلزم الإشارة إلى المصدر
al-sabhany.com
متصفح المقالات