بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وخاتم النبيين وبعد؛ فإن استشراء الفقر والعوز في مجتمعاتنا يستدعي ضرورة تفعيل شبكات التكافل الاجتماعي وعلى رأسها الزكاة. وهو ما نادت به الدراسات الأممية بعد أن عصفت رياح العولمة ومصاحباتها بالأمان الاجتماعي (انظر: دراسات الإسكوا حول الضمان والأمان الاجتماعي).
المشكلة عملياً:
وتتمثل مشكلة القصور الزكوي عملياً في عدم تحقق قناعة السواد الأعظم من المكلفين الأغنياء (الدافعين المفترضين) بكفاءة الأطر المؤسسية القائمة في إيصال زكواتهم إلى الفقراء المستحقين حسب درجة إلحاح حاجاتهم، وبالتالي عدم القناعة ببراءة ذمتهم بدفع الزكاة إليها مما يقود إلى الكف الزكوي المومأسس.
إن هذا الحديث لا ينصرف إلى مؤسساتٍ قائمة كهياكل تنظيمية ولا إلى نظمها الداخلية أو القوانين التي تركن إليها؛ إنما إلى كفاءة النظام الزكوي برمته؛ فمهما كان القلب سليماً فلن يفلح في أداء وظيفته دون وجود شبكة أوعية مستدقة تغطي الجسم كاملاً، وكما لا غنى لجهاز الدوران عن الأوعية الدموية بل والأوعية الدموية الشعرية تحديداً؛ فكذلك حال المجتمع ينبغي أن تنبث مكاتب الزكاة في كل أحيائه وحاراته، وينبغي أن يخضع القائم منها لعملية قسطرة وظيفية واعية للتأكد من كفاءتها ولإعادة توقيعها في النظام الزكوي العام.
وإذاً:
لا يكفي الحديث عن فرضية الزكاة ووجوبها!!.
لا يغني الحديث عن آثار الزكاة المفترضة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في غيبة هذه الشبكة وفاعليتها!!.
إن استكمال مأسسة الزكاة بوجود الوحدات الزكوية الخليوية (الشعرية)، والبرهنة على شفافيتها ومصداقيتها وإخضاعها للرقابة الشعبية شرط ضروري لبناء قناعة إيجابية وطيدة عند جمهور المكلفين، وبالتالي شرط لتوارد زكواتهم؛ فمشكلة الزكاة كما تقدم ليست في شح المكلفين أبداً لكنها مشكلة غياب الأطار المؤسسي المرضي المؤتمن.
التصور:
أن يقام في ظل كل مأذنةٍ مكتب زكاة خاص بحي المسجد، حتى تبرأ بوجوده ذمة أهل الحي وعلى رأسهم المكلفين، وحتى تُلمَس آثار الزكاة وتُشهَد على المحتاجين من أهله؛ فإن ظهر ذلك فعلاً جادت النفوس ولا ريب، وطاب لها الإنفاق واتسعت مظلة التكافل والأمان الاجتماعي.
المتطلبات:
وكل ما يطلب لهذا المكتب هو: سجل للإيرادات وآخر للمصروفات، وإيصالات قبض وإيصالات تقبيض، وجهاز حاسوب، وخريج مدرب على محاسبة الزكاة وتقنية التعامل مع الحاسب، ولجنة رقابة شعبية من أهل الحي، ودليل فقهي موحد وعملي للزكاة تلتزم بإنتاجه دوائر الإفتاء أو المجامع الفقهية (يختزل الأراء الفقهية المبسوطة إلى اختيار فقهي معتمد).
وهذا المكتب يرتبط بشبكة وطنية تؤمن قاعدة بيانات دقيقة عن المستحقين (تستعين بالرقم الوطني والسجل المدني). وتستمر عملية تغطية الأحياء بمكاتب الزكاة الخليوية وربطها تباعاً بالشبكة الوطنية حتى تغطى القرى والبوادي فضلاً عن العواصم والمدن الكبرى.
التأصيل:
مثلما استدعت فريضة الصلاة وجود مؤسسة المسجد والقائمين عليه، كذلك حال أُختها فريضة الزكاة؛ تستدعي وجود مكاتب الزكاة. وما هو بحكيم ذلك المجتمع الذي يحرص على مأسسة الصلاة ويفرِّط في مأسسة الزكاة، ولنتذكر القاعدة الهادية: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، وأي واجب؟! ... لعله من أوجب الواجبات اليوم.
تخيل كم فرصة عمل سوف تستحدث بتمويل ذاتي من الزكاة؟.
تخيل كم ذمة ستبرأ بوجود هذا المكتب؟.
تخيل حينما يلمس الناس كفاءة هذه المكاتب ونزاهتها؛ كيف يتبناها الناس وكيف تنهمر عليها الأموال؛ فالأمة التي كانت معطاء لم تزل كذلك؛ ما زال قيس والغرام كعهده ... وربوع ليلى في ربيع جمالها!!.
وسبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
...
عبدالجبار السبهاني
للترجمة أو إعادة النشر
تلزم الإشارة إلى المصدر
al-sabhany.com